قال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي : وقد علمتم إن شاء الله؛ أنه لا يستدرك سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأحكامهم وقضاياهم إلا بهذه [ الآثار والأسانيد ] على ما فيها من الاختلاف وهي السبب إلى ذلك والنهج الذي درج عليه المسلمون وكانت إمامهم في دينهم بعد كتاب الله عز وجل، منها يقتبسون العلم، وبها يقضون وبها يقيمون، وعليها يعتمدون وبها يتزينون يورثها الأول منهم الآخر ويبلغها الشاهد منهم الغائب احتجاجا بهاً واحتساباً في أدائها إلى من لم يسمعها
يسمونها [ السنن ] و[ الآثار ] و[ الفقه] و[ العلم]
ويضربون في طلبها شرق الأرض وغربها يحلون بها حلال الله ويحرمون بها حرامه ويميزون بها بين الحق والباطل والسنن والبدع
ويستدلون بها على تفسير القرآن ومعانيه وأحكامه، ويعرفون بها ضلالة من ضل عن الهدى فمن رغب عنها فإنما يرغب عن آثار السلف وهديهم ويريد مخالفتهم ليتخذ دينه هواه وليتأول كتاب الله برأيه خلاف ما عنى الله به فإن كنتم من المؤمنين، وعلى منهاج أسلافهم، فاقتبسوا العلم من آثارهم واقتبسوا الهدى في سبيله وارضوا بهذه الآثار إماماً كما رضي بها القوم لأنفسهم إماماً.
فلعمري ما أنتم أعلم بكتاب الله منهم ولا مثلهم ولا يمكن الاقتداء بهم إلا باتباع هذه الآثار على ما تروى فمن لم يقبلها فإنه يريد أن يتبع غير سبيل المؤمنين وقال الله تعالى : "وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا"
[ الرد على الجهمية ص 124]