للإستمـاع والتحميل:
http://www.alamralawal.com/include/khotbapopup.php?id=267

الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهدِي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادِي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرا.

أما بعد:

عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، واتقوا ربكم الذي لا بد لكم من لقائه ولا منتهى لكم دونه، اتقوا الله الذي إليه ترجعون وهو كان عليكم رقيبا، ويحاسبكم بالذرة والخردلة، اتقوه عباد الله، اتقوا غضبه ولا تغتروا بإمهاله، اتقوا الجرأة على حدوده، فإنه يغار وغيرته أن تنتهك محارمه، أحسنوا الأدب مع الذي خلقكم ورباكم بنعمه، ونعمه تتوالى عليكم آناء الليل وأطراف النهار، أحسنوا معه الأدب يحفظكم الله فإنكم في دار ممر وغدا دار المقر، وإن الله خلف من كل أحد وليس من الله خلف، وإن الله خلف من كل أحد وليس من الله خلف.

إن وجدت الله بقربه وعبادته وتوحيده والتنعم بذكره والأنس به فماذا فقدت؟ لو فقدت الدنيا بأسرها وإن فقدت الله بتوحيده وعبادته والأنس به فماذا وجدت؟ لو حيزت لك الدنيا بحذافيرها فأنت الموحش المستوحش البائس الكئيب، يا سبحان الله! من الله خلف من كل أحد وليس من الله خلف، طوبى لعبد أقبل على ربه، طوبى لعبد عمر الطريق بينه وبين الله فإذا كان الطريق بينه وبين الله عامرا فلا يضره لو كان ما بينه وبين العالمين خراب، وإذا صح منه الود والحب لربه فكل الذي فوق التراب تراب. اللهم اجعلنا من عبيدك حقا الذي يأنسون بك ويتوكلون عليك ويتعلقون بك.

ثم واعلموا أن أنفع الحديث كلام الله، وأصدق الهدي هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

إخواني في الله، أهل التوحيد: تعس عبد الناس، تعس والله عبد الناس، تعس والله عبد الناس، عبد الناس هذا هو الذي تضخم الناس عنده في قلبه حتى كانوا أعظم من الله، فهو يطلب رضاهم ولو بسخط الله، ولا ينكر عليهم ولو غضب عليه الله، ويتبعهم فيما يريدون إمعة إن أحسنوا أحسن وإن كفروا كفر، إن مدحوه سر واستنار وجهه ولو كان مقيما على معصية الله، وإن ذموه غضب وحزن ولو كانوا يذموه على الحق، الناس بين عينيه يراعيهم يريدهم يطلبهم يستوحش إن فارقوه ويأنس إذا كان في أوساطهم ولو كان في غير طاعة الله - عز وجل -، تعس والله عبد الناس.

يا لها من خلة ما أخطرها على القلب وعلى التوحيد وعلى العبد وقل من يسلم منها، عبد الله حقا هو الذي جعل الله بين عينيه، رضي الناس أو غضبوا، فإذا رضي عنه الذي في السماء فلا يهمه لو غضب عليه من على وجه الأرض.

نوح صاحب الناس ألف سنة إلا خمسين عاما في الدعوة ولكنهم لم يضروه لأنه متعلق بالله، آمنوا أو كفروا، قال لهم بعد هذه المئين المتطاولة: ﴿ وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [هود:34]، ليس بيدك نفع الناس ولا ضرهم ولا هدايتهم ولا إضلالهم بيدك أن تكون عبد الله حقا، ﴿ وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا ﴾ لم يتأثر ولم يحزن ولم يغضب، قال: ﴿ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ ﴾ [هود/39].

إبراهيم الخليل على وجه الأرض لم يستوحش من الغربة، لم يبحث عن الناس لم يطلب رضاهم، كان يسمعهم ما يكرهون إذا كان في ذلك رضا الذي في السماء، قد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين ﴿ أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [الأنبياء:67] إنها العلامة الفارقة بين عبد الله حقا وبين عبد الناس.

يا عباد الله: من علامات عبادة الناس: أن تكون على معصية فإذا سمعت حس الناس ارتعت، قال ابن عباس: ((إذا كنت على معصية وحُرك الباب فارتعت فروعتك هذه أشد من معصيتك لأن الكبائر القلبية أشد من كبائر الجوارح))، سبحان الله! ترتاع من مخلوق يطلع عليك وأنت على شاشة أو في موقع لا يليق أو عند إشارة تسمع غناء فإذا وقفت الإشارة قصرت فيه، الحياء طيب من الله ومن الناس، لكن احذر احذر أن يكون تعظيمك للناس ومراقبتك للناس أعظم من مراقبتك لله، ارتعت لما حركوا الباب والله مطلع عليك؟ الله كان أحق أن تخشاه، هذه واحدة.

كذلك من العلامات: وهي قد تكون خفية أن يعمل العمل لأجل الناس وهو لا يشعر، ((رُوي أن رجلا كان ملازما خلف الإمام ثلاثين سنة فتأخر يوما لنوم أو لنحوه فجاء مسرعا وإذا هم قد صفوا للصلاة فقال لنفسه: الآن يفقدني الناس في الموضع الذي تعودوا أن يروني فيه ثلاثين سنة، ثم انتبه ونبهه الله فإذا هو كان يعبدهم طول هذه السنين))، يحرص على هذه العبادة ليس طلبا للقرب من الله، طلبا لثنائهم ومدحهم ويتألم عند ذلك.

من الناس من إذا فاتته صلاة الفجر في مجتمع لا يعرفونه لا يتألم وإذا فاتته في حيه وعند أهله يتألم سبحان الله! أين الله؟ هي لله ليست لهم، عظم ربك، من الناس من لا ينكر المنكر لما؟ خشية من الناس.

وفي حديث أبي سعيد أن الله يقول لعبده يوم القيامة: ((ما منعك ما منعك أن تنكر المنكر إذا رأيته؟ قال: يا رب خشية الناس، قال: فإياي كنت أحق أن تخشى))، ألم تخشني؟ ألم تتذكرني؟ ألم تراقبني؟ كيف يعظم الناس في قلبك إلى هذه الدرجة؟

من علامات عبادة الناس: طلب مدحهم والخوف من ذمهم وتصريفهم وألقابهم وهذا أخسر الناس صفقة وأسخفهم عقلا، يروى أن رجلا قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - مهددا: إن مدحي زين وذمي شين، قال: ((كذبت ذاك هو الله)) ذاك هو الله هو الذي مدحه زين وذمه شين فكيف.

وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في تفسير قول الله تعالى ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ ﴾ [هود/15]. في سورة هود قال: الناس في هذه الآية أصناف، منهم من يعمل العمل لأجل الدراهم ومنهم من يعمل العمل لأجل سمعة عائلته وأوقاف تمشي عليهم وأصناف، ومنهم من يتعب حتى يمدحه الناس أو لا يذمونه. قال الشيخ: وهذا أسخفهم عقلا، لأنه تعب على لا شيء، أولئك حصلوا الدراهم وإن كانت صفقة خاسرة لكن هذا حصل كلاما يتغير، مدح الناس كالكتابة على الماء يتغير بتغير أهوائهم ورغباتهم ورضاهم لا يدرك، فلما لا ترضي الذي في السماء وترتاح؟ واحد وتعرف ما الذي يرضيه، لما لا توحد الجهد في إرضاء الذي فوق العرش ولو سخط عليك من على وجه الأرض؟ ونم بعد ذلك ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الزمر/29].

من العلامات: أنك لا تأنس إلا إذا كنت وسطهم وتستوحش من مفارقتهم، هذه علامة خطيرة للإفلاس، يا عبد الله: تعود على الخلوة بربك تعود على الوحدة والغربة، قد تحتاج إليها.

الفتية أصحاب الكهف الشباب أبناء النعمة لما احتاجوا إلى المفارقة سهلت عليهم بتوفيق الله، لأن الناس قد انفصلوا من قلوبهم قبل ذلك، ﴿ هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ﴾ [الكهف/15]، خرج الناس من قلوبهم وغسلوا آثارهم من قلوبهم بالماء عند ذلك لو يترك القصر إلى كهف في رأس جبل يقوى على ذلك بل يأنس بذلك كما كان - صلى الله عليه وسلم - قبل البعثة يأنس بتحنثه في حراء في غار في رأس جبل، الليالي ذوات العدد فإذا كانت هذه فيك فاحذر احذر لأن نسبة الميل إلى الناس زائدة في قلبك، أنا لا أمرك بالاعتزال وترك الجماعة قبل حله ولكن ما تدري متى يحل فإن الفتن قد كثرت والأمر الآخر: الناس صاحبهم بالمعروف، كن معهم في الجماعات في الجمع في مجالس الخير في اتباع الجنازة في عيادة المرضى في إطعام الجوعى ولكن لا يكونوا في قلبك، لا يكونوا في قلبك فيعظم عندك فتترك أمر الله لأجلهم.

احذر أن تكون عبد الناس، كم من شخص يزعم أنه من أهل العلم ويدرس العلم ولو تأملت حاله لوجده عبدا لطلابه يخشى أن يسمعهم ما يكرهون فينفضوا من حوله، لا يذم أهل البدع عندهم مراعاة لخواطرهم، لا يذكر بعض الحق الذي يعلمه لأجلهم، عبدهم مسكين، هم والله الشيوخ وهو التلميذ، وكذلك بعض المنتسبين للدعوة والخطابة نفس الطريقة، إنما يراعي الجمهور ولا يراعي الله - عز وجل -، فلا يسمعهم إلا ما يضمن أنهم لم ينفضوا من حوله، تعس عبد الناس، بعض الناس عبد الزوجة ولو أمرته بمعصية الله، عبد الأولاد يحبهم حبا يخرجه عن طاعة الله أو يمكنهم من معصية الله، بعض الناس عبد الدرهم والدينار كما قال - صلى الله عليه وسلم -، وبعض الناس حقير إلى أن يصل إلى ما قاله - صلى الله عليه وسلم - عبد الخميصة، عبد الخميلة، عبد السيارة الغالية والبيت الفاره، هذا في مستوى لا نريد أن ننزل إليه لكنه عبد الخميصة، عبد الفراش، سبحان الله العظيم.

يا إخوتاه: قال ابن مسعود: ((لا يكن أحدكم إمعة يقول: إن أحسن الناس أحسنت وإن أساءوا أسأت وليوطن نفسه أنه لو كفر أهل الأرض لا يكفر هو))، عود قلبك على الانفصال عن متابعة الناس والتعود على متابعة الحق وإتباع السلف الأوائل وإن اشتدت غربتك، وإن اشتدت غربتك، وقال الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -: إن صعبت عليك مفارقة الناس ومخالفة الناس ففكر في قول الله تعالى ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ﴾ [الجاثية/19]. الله ولي المتقين ولو كان لوحده.

يقول أبو عبد الله هذا الإمام الموفق: تدبرها فإنها تسهل عليك مخالفة الناس إذا كانت في رضا الله - جل وعلا -، وما هلك من هلك إلا بإتباع الناس وإتباع الكثرة وإتباع الشيوخ وإتباع الآباء، أكثر قبائل العرب ما أسلمت إلا بعد الفتح يقولون نتربص بمحمد والناس فإن أطاعوه دخلنا وإن عصوه كان بأيدهم لا بأيدنا ولكن الموفق من يبحث عن رضا الله وإذا أردت أن ينفصل هذا المرض من قلبك فتذكر موقف الناس معك يوم القيامة، أقربهم إليك وأبعدهم عنك، يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله، ﴿ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ﴾ أخوك لأمك وأبيك يراك في المحشر ويصدك عنك بل يفر عنك، ﴿ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ﴾ [عبس/37].

فيا عباد الله الكلام في هذه المسألة بالذات وعلاقتها بالتوحيد والشرك وتعظيم الله وإجلاله وأن تقدره حق قدره وأمراضها الخفية التي لا تخرج عليك إلا في لحظات مفاجئة فتكتشف أن للناس حظا في عملك الرياء هل هو إلا طلب الناس وعبادة الناس؟ السمعة هل هي إلا من هذا الباب؟ الالتفات إليهم ترك أوامر الله لأجلهم - نعوذ بالله من ذلك-.

اللهم طهر قلوبنا من الالتفاف لغيرك والركون لغيرك يا رب العالمين، اللهم أغننا بالتعلق بك عن التعلق بغيرك، اللهم أغننا بإرادتك وإرادة وجهك وإرادة مدحك وإرادة رضوانك وإرادة نعيمك والدار الآخرة عن طلب رضا المخلوق من ماء مهين الذي مدحه ليس بزين وذمه ليس بشين، إذا كنت أنت راضيا يا رب العالمين، اللهم نعوذ بك أن نعبد الناس ونحن لا نشعر، نعوذ بك أن نعظم الناس أكثر من تعظيمنا لك ونحن لا نشعر، نعوذ بك أن نطلب رضاهم بسخطك ونحن لا نشعر، فيعود حامدهم ذاما لنا، نعوذ بك، اللهم بصرنا ووفقنا، اللهم ارزقنا حقائق الإيمان وحقائق التوحيد يا رب العالمين، اللهم ألزمنا ملة إبراهيم ودين محمد - صلى الله عليه وسلم -، اللهم لا تفتنا فيمن فتن ولا تمكر بنا فيمن مكر به، واستغيثوا بربكم وادعوه فإنها لحظات مباركة إن ربي قريب مجيب.